BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

الأربعاء، أكتوبر 28، 2009

يا عينى عالفقير يا ولداه


إصطباحة

بلال فضل 29-10-2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=230946&IssueID=1571


أنا مش عارف يعنى، هل الغلابة الذين استشهدوا فى قطارى الصعيد مواطنون درجة عاشرة لكى تتعامل معهم أجهزة الإعلام الرسمية والخاصة بكل هذه التناحة والكلاحة؟، هل كان لازم يعنى أن يكونوا من أبناء المسؤولين لكى نعلن عليهم الحداد الرسمى وتنقلب الدنيا رأسا على عقب من أجلهم وتتغير خريطة برامج التليفزيون وتغلق القنوات أبوابها لتشغيل القرآن الكريم، أو حتى على الأقل يلم مذيعو ومذيعات التليفزيونات أنفسهم قليلا وهم يتحدثون عنهم بدلا من فشخ الضب المستفز والتبارى فى إظهار سماكة جلودهم؟، لو كان العشرون قتيلا من أبناء علية القوم والمتنفذين والمسنودين هل كان السيد عبداللطيف المناوى رئيس «انقطاع» الأخبار سيظل على رأيه بأن ما حدث مجرد «حادث كبير» وليس كارثة؟.

هل يبدو ما أقوله لك اليوم تركيزا فى سفاسف الأمور، تخطئ كثيرا إذا ظننت كذلك، هذا هو لب المسألة ورحمة الذين صُرعوا غيلة وغدرا، دعك من التبارى فى لعن سنسفيل المتسببين عن مصرع الضحايا ومرمطة المصابين فى سلخانات وزارة الصحة، دعك من البحث عن جاموسة فداء للتعمية على المسؤول الحقيقى عن هذه الكارثة وكل الكوارث التى سبقتها، الذى سلّم القط مفتاح الكرار، ودَشّن «رَفَق» السلطة على البيزنس، وألغى مبدأ الثواب والعقاب، وجعل الفاسدين والمقصرين مطمئنين إلى أنهم لن يدفعوا الثمن غاليا أبدا، بل على العكس ربما كوفئوا برئاسة بنك أو شركة بترول أو مقعد برلمانى، الذى لا يعرف أحد كيف يختار مسؤوليه، ولا لماذا يقرر أن يقيلهم ولماذا يقرر أن يبقيهم، الذى ليس مدينا لأحد بتفسير أو بتبرير، لأنه أدرى بمصلحتنا منا، وعلينا أن نرضى باللى يجيبه وقت ما يجيبه.

إذا لم ندرك ذلك ولم نواجه أنفسنا به، فدعونا نسمى الأمور بمسمياتها ونجيب الكلام من الآخر، «إيه يعنى عشرين فقيرا ولاّ خمسين ولاّ حتى ستين راحوا وارتاحوا، مجرد حادث كبير تسبب فيه خطأ بشرى لعامل زوغ قبل موعده ونزلت عدالة السماء عليه فلقى مصرعه، لا تكبروا الموضوع، هل نسيتم أن الحزب الوطنى رفع سعر صرف المواطن المصرى المصروع فى حوادث القطارات من ثلاثة آلاف جنيه إلى عشرين ألف جنيه، ولو مضايقكم المبلغ ممكن نهزه شوية، لا تلعبوا إذن أدوار البطولة وترقصوا على جثث الضحايا واحمدوا الله على قد كده، لا تغلوشوا على مسيرة الإنجازات، لا تأكلوا وتنكروا وتكونوا من الجاحدين،

فقراء إيه اللى نعلن عليهم الحداد، هم كانوا عملوا إيه للبلد يعنى، مش دول اللى بيوسخوا القطارات وبياكلوا عيش كتير وبيشربوا ست معالق سكر فى كوباية الشاى وطلباتهم مابتخلصش ومشاكلهم ما بتخلصش وبيرموا الزبالة فى الشوارع وبرضه نفسهم مش مسدودة عن الجماع وزرب العيال، الحوادث تحصل فى كل بلاد الدنيا، صحيح أن أهالى القتلى فيها يأخذون تعويضات ضخمة والمصابون يتلقون عناية آدمية والمتسببون فيها يحاسبون حسابا عسيرا، بس تقدر تنكر إن الحوادث بتحصل فى كل بلاد الدنيا».

خلاصة الكلام، كنت فى تركيا عندما وقعت فى شهر رمضان المنصرم كارثة السيول التى داهمت محافظة إستانبول وما حولها وأغرقت حوالى ١٥ مواطنا وأحدثت خسائر بالغة فى الممتلكات، على الفور غيرت كل محطات التليفزيون الرسمية والخاصة خريطة برامجها وأعلنت حالة الحداد الرسمى فى البلاد وفُتحت حسابات التبرعات فى كافة البنوك، ونسى الأتراك لرجب طيب أردوغان رئيس الوزراء المحبوب كل مآثره، وانهالوا عليه قدحا وذما، وقلّبوا فى دفاتره القديمة عندما كان رئيسا لبلدية إستانبول وطالبوا بالتحقيق فى مسؤوليته عن منح تراخيص مخالفة لمبانٍ بُنيت فى مواقع مخرات السيول، واضطر الرجل إلى أن يزور المناطق المتضررة ليلا ويطل عليها بالهيلكوبتر نهارا تفاديا لرمى الناس له بالطين والبيض الفاسد، ونزل قادة المعارضة وأبرزهم دنيس بايكال إلى موقع الكارثة دون أن يُتّهموا باستغلال الكارثة سياسيا.

 شاهدت فى نشرة الأخبار أردوغان وهو يجلس فى منزل فقير يفطر مع أسرة غرق منزلها، ويستمع وهو مكبوس إلى كلام شديد القسوة من الناس، دون أن يقف ليشخط فيهم ويطلب منهم ألا يحملوه مسؤولية كارثة طبيعية لم تشهدها تركيا من عشرين عاما، ويذكرهم بأفضاله على البلاد التى انتشلها هو وحزبه من هوة الضياع، ولم يكن سيكذب لو قال ذلك بالفم الملآن، لكنه لم يقله، ولذلك هو أردوغان، ولذلك تتقدم تركيا الديمقراطية كل ثانية بأهلها، ولذلك يموت الفقير فينا دون أن يحظى بما يليق بآدميته، لا فى الحياة ولا فى الحداد.

يا عينى على الفقير يا ولداه.


0 التعليقات: