BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

الخميس، سبتمبر 24، 2009

«لماذا تقدمنا وتأخرت اليابان؟»


«لماذا تقدمنا وتأخرت اليابان؟»

إصطباحة النهاردة
بلال فضل
23-9-2009


http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=226764&IssueID=1537

«لماذا تقدمنا وتأخرت اليابان؟»، أنت الآن لا محالة تضحك وقد ظننت أن الإفراط فى كعك العيد جعلنى أقع فى خطأ أستوجب عليه التجريس، عندك حق، لكن أنا أيضا عندى حق، فقد كان يمكن أن يكون هذا النص الصحيح للسؤال، لو كنا قد أكملنا بما يرضى الله طريق النهضة الذى بدأناه نحن واليابان سويا.

لا تجزع، فليس بى رغبة اليوم فى العويل والولولة واللطم، ولا أظن بك شوقا إلى ذلك، بالعكس لدى رغبة نهمة إلى المعرفة أظنك تشاركنى فيها، معرفة الإجابة على سؤال مركزى وحيد لم يعد يشغلنى غيره، «هل يمكن أن تتقدم يوما ما البلاد التى أنهكها وانتهكها الفساد ونكحها ثم أجهضها الاستبداد وكبس على أنفاسها الفقر الأزلى؟»، سؤال ظللت طيلة الأشهر الماضية أبحث عن إجابات قاطعة عملية ناجعة له، فغرقت بمزاجى فى أكوام من الكتب والمجلات ومواقع الإنترنت على قد طاقتى وجهدى،

ومع أننى لست أبا العريف ولا أنا آت بما لم تستطعه الأوائل، لكننى أجزم لك قاطعا أن الإجابة هى نعم، لن أستطيع أن ألخص لك حصيلة بحث أشهر فى أسطر، لكن دعنى أقل لك محذرا (لعلك تنصرف عنى إن رغبت) أن هذا السؤال وتلك الإجابات ستكون الهم الأساسى والغالب فيما تبقى لى من وقت معلوم لهذه الزاوية، وأسأل الله أن تكون كذلك أيضا فيما تبقى لى من وقت غير معلوم فى هذه الحياة.

ليس بى رغبة فى التنظير، ولا ميل إلى التقعير، عهد مين ده، هذا عهد الله، وبعده لينقطع لسانى إن ألفيتنى يوما أحدثك عن أفكار نظرية جوفاء لا تستند إلى واقع معاش حيّ رأيته أو سمعت عنه، أو قرأته أو قرأت عنه، هذا إن كنت قد فعلت ذلك أساسا من قبل، على أى حال وحتى أنجح فى تنظيم أفكارى المتدافعة بفعل ما قرأته وعشته خلال رحلتين طويلتين خارج مصر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، دعنى أبدأ لك اليوم وغدا برسالة مهمة جاءتنى من اليابان، وهل يصح أن نبدأ حديثنا عن التقدم من مكان غير اليابان؟.

عندما ظهرت هذه الرسالة على بريدى الإلكترونى من حيث لا أدرى ولا أحتسب، تفاءلت جدا وقلت لنفسى لو فعل كل من توفده مصر إلى الدراسة خارجها مثلما فعل كاتب هذه الرسالة لجددنا سيرة آبائنا العظام الأوائل من رفاعة رافع الطهطاوى وأنت طالع فى سلم النور، قبل أن نتدحرج بمزاجنا فى سلم حكم الفرد لنستقر فى قاع الظلام من جديد ومازلنا نحفر.

صاحب الرسالة الأستاذ أحمد عبدربه مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة يقيم فى اليابان منذ ستة أعوام، حيث يدرس العلوم السياسية بجامعة هوكايدو، أعجبه بعض ما أكتب فأرسل إليّ مفضفضا ببعض ما رآه فى اليابان، وأنا طمعت فى المزيد من علمه، وأردت أن أشركك معى فيه، فطلبت منه أن يصيغه لى بما أفاء الله عليه، وهو لم يقصر حبا فى بلاده ووفاء لناسه وأملا فى انصلاح حال شعبه، وكانت هذه رسالته الأولى:

«أعيش فى اليابان منذ عام ٢٠٠٣ حيث أدرس السياسات اليابانية وعملية صنع القرار. وبحكم تخصصى أحاول أن أكون مطلعا بشكل دائم على كل صغيرة وكبيرة تخص الشأن اليابانى خاصة والشأن الآسيوى بشكل عام، وفى إطار تلك المتابعة نما إلى علمى أن موقع رئاسة الوزراء فى اليابان يتيح خدمة التواصل مع رئيس الوزراء (وهو أعلى سلطة تنفيذية فى البلاد) من خلال رسائل أسبوعية يبعثها رئيس الوزراء اليابانى إلى عامة الشعب يحكى لهم فيها أسباب قرار ما اتخذه أو فى الطريق لاتخاذه أو أحداث زيارة ما قام بها فى الداخل أو الخارج بل وأحيانا يقوم بالحديث معهم عن مشاعره الشخصية تجاه أزمة أو كارثة ألمّت بالبلاد، وعلى مدار عام من الاشتراك فى هذا الموقع لفت نظرى ما يلى:

أولا: مقدار الشفافية الكبير المتاح للمواطن العادى على هذا الموقع، حيث يتم تحديث شبه يومى للإحصاءات والقرارات والسياسات العامة بشكل يجعل المهتم (فضلا عن المتخصص) على دراية تامة بكل صغيرة وكبيرة تجرى فى البلاد.

ثانيا: أن الخدمة متاحة لجميع المواطنين فالاشتراك فيها مجانى.

ثالثا: أن الخدمة متاحة باللغتين اليابانية والإنجليزية وهو ما يعنى أن الأجنبى المقيم فى البلاد أو حتى مجرد المهتم يستطيع قراءة الرسالة الأسبوعية للسيد رئيس الوزراء.

رابعا: الدقة المتناهية فى ميعاد الرسالة حيث إنها تصلك على بريدك الإلكترونى كل يوم خميس فى تمام العاشرة صباحا بالتوقيت المحلى.

خامسا: إتاحة الفرصة للقراء وعموم الناس أن يردوا على الرسائل بتعليقاتهم والتى يعاود رئيس الوزراء بالرد عليهم مرة أخرى (منهم مرة بعثت تلميذة فى الصف السادس الابتدائى برسالة إلى رئيس الوزراء تنتقد أداء الناظر فى مدرستها الابتدائية ورد عليها رئيس الوزراء بإجراء تحقيق فورى لبعض الأحداث التى ذكرتها واعدا إياها بمواصلة الإصلاح التعليمى)!.

أخيرا ومنذ أسابيع قلائل جرت الانتخابات البرلمانية فى اليابان وهى تماثل فى أهميتها (بل وربما تفوق) انتخابات رئاسة الجمهورية لدينا حيث تحدد نتائجها الحزب الحاكم ومن ثم شخص وأيديولوجية رئيس الوزراء (أذكرك بأنه أعلى سلطة تنفيذية فى البلاد فالإمبراطور منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحول إلى مجرد رمز) وقد جاءت الانتخابات بمفاجأة كبيرة حيث مُنى الحزب الليبرالى الديمقراطى الحاكم فى البلاد منذ عام ١٩٥٥ (باستثناء ٩ أشهر فقد فيها السلطة فى عام ١٩٩٣) بهزيمة مدوية متيحا الفرصة للحزب الديمقراطى المعارض أن يصل إلى السلطة،

فى الواقع تعنى النتيجة أن السيد تارو أسو، رئيس الوزراء الحالى، (والذى ظللت طيلة عام أقرأ رسائله الأسبوعية) خسر منصبه ليس فقط كرئيس للوزراء، ولكن أيضا كرئيس لحزبه، وهنا ترقبت ميعاد الرسالة الأسبوعية للرجل بعد أن تلقى الهزيمة التى تعنى إنهاء حياته السياسية معتقدا بأنه قد لا يبعث بأى رسالة أخرى وسيكتفى القائمون على الموقع بالاعتذار للقراء واعدين إياهم بمواصلة الرسائل الأسبوعية مع رئيس الوزراء الجديد! ولكن هذا لم يحدث،

ففى تمام العاشرة صباحا للخميس التالى مباشرة لنتيجة الانتخابات وجدت رسالته فى الميعاد ونظرا لضيق المساحة أكتفى بنقل بعض كلماته تاركا لك استخلاص بعض الدروس عن القبول الطوعى لفقدان السلطة الذى هو أحد مؤشرات الديمقراطية. يقول السيد أسو فى رسالته الوداعية: «لقد فشلنا بنتائج مؤسفة فى انتخابات مجلس النواب الأخيرة وعجزنا أن نكون على قدر تطلعات الشعب، وأنا أقر بهذه الهزيمة وأعترف بحقيقة أن تلك الانتخابات تعنى عدم رضاء الناس عن أداء الحكومة وأداء الحزب الحاكم، سنقوم (أى الحزب الحاكم الذى خسر) بمراجعة أدائنا ومعرفة لماذا فشلت سياساتنا فى إرضاء الجماهير، وسببت هذا السخط والإحباط فى المجتمع،

لقد اتخذت قرارا منذ توليت السلطة فى ديسمبر الماضى بأن أهتم بمحاربة الأزمة الاقتصادية والبطالة وأعطيت لهذا الأولوية على الاهتمام بتلميع الحزب فى الانتخابات البرلمانية، ورغم الخسارة إلا أننى مقتنع بخيارى لأنه فى صالح الناس، ولكن عدم دقتى فى تنفيذ السياسات هى التى تسببت فى هذه النتائج، وبناء عليه أتقدم بالاعتذار للشعب عن هذا الفشل.. وأعدهم بمواصلة الجهود كى نكون على مستوى طموحاتهم»!.

انتهت الرسالة لكننا يادوب بدأنا.



1 التعليقات:

Nigm يقول...

:100100: